إن ما يثير الدهشة والاستغراب ،أن السفراء والحكومات العربية والغربية، تدعو جميعها لعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، خاصة في ما يتعلق بالانتخابات النيابية القادمة، وكأن من يصرح يعتبر نفسه وليا لأمر اللبنانيين (القاصرين سياسيا )بنظر الجهات الخارجية، وكأن التصريحات والزيارات التي يطلقها السفراء خاصة السفيرة الأميركية للمرشحين ولرؤساء الكتل ومواقفها ضد أحزاب المعارضة، وحتى وصولها لتخرج أكثر من دفعة لقوى الأمن الداخلي أو الأجهزة التابعة لها ليست تدخلا خارجيا سافرا !.
ويطرح السؤال.. هل أن الانتخابات النيابية ستكون حرة ونزيهة وتتولد من قرار داخلي مستقل للفرقاء السياسيين..؟ أم أنها تمثل مشهدا سياسيا يختبئ وراءه اللاعبون الإقليميون والدوليون خلف زعماء الأحزاب السياسية.
ويظهر التأثير الخارجي بالدفعات المالية المباشرة، للقوى المضادة للمعارضة كما صرح أحمد الأسعد رئيس الانتماء اللبناني والذي اعترف بحصوله على المال السعودي والتأييد الأميركي لتقاطع المصالح ،المتمثل بإضعاف تيار المقاومة وإحداث البلبلة السياسية في ساحته الداخلية.
ويتطور التدخل المالي إلى هبوب رياح الإنماء الانتخابي عبر المشاريع الإنمائية الموسمية في المناطق التي تشهد تنافسا انتخابيا ، مقابل عدم إقرار موازنة مجلس الجنوب والتعويضات المستحقة لأهالي الجنوب، ،ويمثل المال السياسي أحد أحجار الطواحين الخارجية لمنع المعارضة اللبنانية من الفوز بالانتخابات، ولمنع هزيمة14آذار ومن ورائها المشروع الأميركي في المنطقة ،خاصة بعد تراجع أسهم تسخير المحكمة الدولية لحصار سوريا وحلفائها في لبنان، ، فإن تم إطلاق سراح الضباط الأربعة ،سينعكس كارثيا على14آذار ، وإيجابيا في صناديق الاقتراع لصالح قوى المعارضة ،ويبشر بانتهاء عصر الغربة اللبناني المصادر أميركيا، وبالتالي سقوط مشروع سرقة لبنان من محيطه العربي وتسخيره كقاعدة انطلاق لمهاجمة سوريا وقطع الطريق أمام ما يصطلح عليه باسم التغلغل الإيراني في المنطقة العربية.
وبعدما مثلت المحكمة الدولية رافعة سياسية وانتخابية وتنظيمية لقوى 14آذار طوال السنوات الماضية ،فإن هاجس خسارتها يحوم فوق رؤوس الآذاريين ومرشديهم من الأميركيين والعرب المعتدلين، وتم العمل لتأمين ورقة قانونية تكون بديلا عن المحكمة الدولية ولا تثير تداعيات داخلية لبنانية بشكل مباشر لارتباطها بملف خارجي، فتم اختراع قضية خلية حزب الله في مصر لتسير الفتنة على قدمين، قدم الفتنة المذهبية تحت عنوان حماية الساحة السنية من تمدد الفكر الشيعي ،وتأليب العصبيات المذهبية والقدم الثانية منع التدخل بالشأن المصري لضرب عصفورين بحجر واحد، حيث يفتح الباب على مصراعيه ضد المعارضة المصرية، وعلى رأسها الأخوان المسلمين، لقمع أي حركات اعتراض شعبية ضد النظام، بحجة مقاومة التدخل الخارجي، وبالتالي حماية النظام وتأمين الولادة المضمونة لقضية التوريث السياسي في مصر.
ويمكن استغلال هذه الحادثة لإعادة حجز مقعد للنظام المصري في عملية التموضع الجديد للقوى الإقليمية والدولية، مع بدءعهد الإدارة الأميركية الجديدة ،ومن ثم فرض الشروط المصرية على كل من سوريا وإيران، وكذلك إثبات القدرة المصرية على الإمساك بزمام الأمور لمحاصرة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين،وتأمين التوازن بينها وبين الدور السوري، فإذا كانت سوريا قد ربحت من دورها الداعم لحركات المقاومة، فإن مصر تحاول أن تربح دورا مماثلا، ولكن من موقع حصار المقاومة وتقدم للأميركيين والإسرائيليين وسيلة أخرى لهزيمة النهج المقاوم لتشجيعهم للاستغناء عن الدور السوري، الذي يفترض الأميركيون أنهم بمغازلتهم وحوارهم مع سوريا وإيران، يمكن أن يغيروا المنهجية والسلوك السوري لصالح المشروع الأميركي.
في غمرة هذه الطواحين وضجيجها الإعلامي، وتأثيرها على الميدان الانتخابي ضد المعارضة تبرز بعض التحديات داخل صفوف المعارضة في إدارة المعركة الانتخابية ،والتي تستطيع قوى المعارضة حلحلتها الآن ،لأنها تمتلك مفاتيح الحلول بما يريح ساحاتها النقية ويوفر ظروفا أفضل لمعاركها الانتخابية في الساحات الحرجة ،و للتفرغ أيضا لمقاومة التدخل الخارجي المتعدد الجنسيات والوسائل، لتستكمل انتصارها العسكري في تموز2006بنصر سياسي في حزيران، 2009وتعلن أن لبنان شعبا ومقاومة وجيشا ودولة ،يؤكد على هويته العربية وموقفه السياسي المنحاز إلى القضية الفلسطينية والشعوب المستضعفة، وأن إسرائيل هي العدو الأول والتاريخي للبنان وأن واجب الدفاع عنه ،ليس مسؤولية حزب أو طائفة بل مسؤولية اللبنانيين جميعا.
هل تستطيع المعارضة تحطيم أنانياتها الحزبية والطائفية والمذهبية، لتتمكن من تحطيم أحجار طواحين المال السياسي والمحكمة الدولية والهجوم المصري.
السؤال... يطرحه أنصار المعارضة في لبنان مطالبين قيادات المعارضة أن لا تخذلهم، وأن تكون بمستوى المشروع السياسي الوطني ،وليس بمستوى الزواريب السياسية المتمثلة بمختار أو رئيس بلدية أو نائب لا يسمن أو يغني عن جوع أو يحمي مشروعا مقاوما، تكافل اللبنانيون جميعا بمده بكل إمكانيات العطاء لبقائه حيا صامدا بوجه الأفعى الإسرائيلية وثعابينها الصغيرة من عملاء ومهزومين